بعد عملية الهجوم البربري الصهيوني علي سفينة مرمرة التركية في المياه البحرية العالمية التي راح ضحيتها سبعة أبطال من الأتراك من الذين كانوا على ظهرها إزداد الرأي العالمي ضغطآ على الحكومة الصهيونية لرفع الحصار الظالم المفروض علي قطاع غزة منذ حوالي اربع سنوات.
الحكومة الصهيونية بما اكتسبت من حيل وألاعيب لإحتواء الموقف ولإمتصاص غضب الشعوب بادرت بتسريب أخبار عبر إذاعاتها بأن المعابر الحدودية من والى قطاع غزة مفتوحة للأشخاص والبضاع على مصراعيها.
عندما سمعت الخبر سارعت بحجز تذاكر سفر عن طريق مطار القاهرة لي ولأولادي سام ( ثمانية أعوام) ونوح ( عشرة أعوام) .
بتاريخ 10.10.2010 أقلعنا من مطار Hannover الساعة السابعة مساءًًً وهبطت الطائرة في مطار القاهرة الساعة الثانية وخمسة وعشرون صباحاً.
كان في إنتظارنا في مطار القاهرة خال أحد الأصحاب من مدينة براونشفايغ (Braunschweig ) الألمانية.
لقد قررنا بأن نتابع رحلتنا الى معبر رفح البري.
لقد كانت الرحلة ميسرة وفي حوالي الساعة التاسعة والنصف صباحاً كنا نسعد برؤية معبر رفح.
حوالي الساعة العاشرة والنصف سمعنا منادياً ينادي بأن الجميع يجب أن يقف في الطابور لكي يتم من التأكد من الوثائق المستلزمة للدخول الى قطاع غزة.
وجاء دورنا وتم توجييه السؤال لي أين بطاقة الهوية الفلسطينية؟
ليس لدي هوية .
السؤال الثاني ما نوع الجواز الذي تملكه؟
جواز ألماني.
مسؤول المعابر: ليس مسموح للأجانب بالدخول الى غزة
أنا : أود أن أزور أمي وأنا أصلى من فلسطين وأولادي لم يتمكنوا حتى هذه الحظة من زيارة ستهم (جدتهم) كما وأن ليس لي سوى ثمانية أيام إجازة أود أن أرى من خلالها عائلتي ثم أغادر القطاع.
مسؤول المعابر:بدون هوية مفش دخول.
أنا: هويتى أخذها الصهاينة وحاولت بكل الوسائل أن أحصل عليها حتى بمساعدة ألمانية ولكن بدن جدوى.
مسؤول المعابر: تروح عند اليهود الى تلابيب وتحصل على الهوية وترجع إلى هنا وأنا أدخلك.
أنا: الظاهر أنك لم تفهمنى وهذا الطلب مستحيل ، هل هناك حل آخر؟
مسؤول المعابر: أن تذهب إلى السفارة الألمانية في القاهرة وتأتي بمرسوم محتواه أنك إذا دخلت القطاع أنك تدخل على مسؤليتك وأنك تتحمل كل ما قد يجرى لك.
إتصلت بالسفارة الألمانية في القاهرة كثير من المرات ولكن لم يكن في السفارة من يرفع سماعة التلفون بعد أن يأست إتصلت بالسفارة الألمانية في تل الربيع وهناك أخبرني المسؤول عن هذه الشؤون
أن السفارة الألمانية في القاهرة هي المسؤولة عن هذا الشأن فقلت له إني أحاول منذ ساعتين بالإتصال بالسفارة الألمانية ولكن بدون جدوى فسألته عن رقم تلفون السفارة في القاهرة فلما قارنته برقم التلفون الذي معي فكان نفس الرقم. الآن أصبحت الساعة الرابعة بعد الظهر فاصطحبنا سائق السيارة الذي أتى بنا واتجهنا إلى القاهرة
في اليوم التالي توجهت إلى السفارة الألمانية وعندما تقدمت بطلب للاجتماع بالمسؤول عن هذه الشؤون قيل لي يجب علي أن عمل موعداً فقلت كيف لي أن أعمل موعداً وأنا كنت أحاول بالأمس وهذا الصباح للإتصال بالسفارة ولكن بدون جدوى فقيل لي بالأمس كان هناك عطل وأما اليوم فجهاز الإتصالات في أحسن حال وقد صلح العطل فقلت له هذا غير صحيح وقمت بالإتصال بالسفارة أمام الوظف وكانت هنك نفس المشكلة وأخيراً تمت مكالمة تلفونية بيني وبين القائم بأعمال السفارة والذي كنت قد قابلته من قبل وأعرفه شخصياً.
فسألني باسلوب حاد وغليظ ماذا تريد ألا تعرف ياسيد ترامسي أن قطاع غزة منطقة محظورة ولا يسمح للأجانب بالدخول؟ فقلت له هون عليك أنا أريد منك رسالة خطية بأنني أود أن أدخل إلى القطاع بمحض إرادتي وعلى مسؤوليتي
فقال لي هذا مستحيل أن يفعله لي والأفضل أن أرجع إلى ألمانيا. عندها حاولت أن أنهي المكالمة فقال لي هناك طرق أخرى للدخول إلى غزة فقلت له شكرًا وأنهيت المكالمة.
والآن ما العمل لدي باقي ستة أيام أبقى في مصر وأقضي أحلى الأيام؟ أعود إلى ألمانيا؟ أم أعود إلى معبر رفح؟ قبل أن أقوم باتخاذ أي قرار قلت أسأل سام ونوح ماذا يريدان وخاصة لقد نسينا النوم والأكل وبانت علينا علامات الإرهاق والتعب فقبل من أنتهي من سؤالي سمعت الجواب: لفلسطين مستعدون أن نضحي أكثر وأن نتحمل أكثر لنرى ستو (جدتنا)!
عندها لم أفكر كثيراً وقررنا أن نعود إلى معبر رفح.
بتاريخ 13.10.2010 الساعة كانت 18:45 كنا قد غادرنا الحدود المصرية.
أهلاً بغزة وأهلها الصامدون ، إنكم شرف الأمة.
إنها الحياة آلتي بدأت تنبعث فينا وكأنا نسينا الآلام والجوع والعطش وكأنا بعثنا من جديد. الشوارع مملؤة بالحياة برغم الظلام الذي كان يعم.
رغم الحصار الظالم المفروض على القطاع منذ أكثر من أربع سنوات إلا أن الشعب يحاول بقدر الإمكان التأقلم مع هذه الظروف اللانسانية ولكن هناك مشاكل يعاني منها الشعب وأثرت بشكل كبير على حياة المواطن اليومية إجتماعيآ وإقتصاديآ وإنسانيآ ومنها:
في حقل العمل فإننا نلاحظ أن نسبة البطالة بمعدل ما يزيد على 80%، وأما نسبة الفقر فقد زادة بنسبة حوالي 90% وحسب التقديرات الدولية والمحلية فقد تكبد الاقتصاد الفلسطيني في قطاع غزة خسائر فادحة تقدر بمليون دولار يوميا نتيجة إغلاق المعابر التجارية، أي أن إجمالي الخسائر المباشرة خلال الفترة السابقة تقدر بمليارات الدولارات ذلك بالإضافة إلى خسائر القطاعات الاقتصادية الأخرى وقد أدى ذلك إلى تدهور حاد في أوجه القطاع الاقتصادي في قطاع غزة مع الفصول المتكررة لسياسة العقاب الجماعي الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني عامة وعلى أهالي قطاع غزة خاصة التي انتهكت جملة حقوق الإنسان التي يتمتع بها المدنيون في القطاع، والتي أثرت بشكل سلبي على كافة مكونات القطاع الاقتصادي المتدهور أصلا منذ اندلاع انتفاضة الاقصى، فقد طال الضرر كافة مناحي الحياة اليومية من زراعة وصناعة وتجارة وحرف وصحة وتعليم إلى غير ذلك من القطاعات.
وهذا الضرر الناتج عن الحصار والإغلاق الأخير كان له اثر بالغ على مستويات نمو هذه القطاعات ويهددها بالفشل وعدم القدرة على تنفيذ مخططاتها، مما زاد من معاناة سكان القطاع.
إن الحصار الخانق المفروض على القطاع أدى إلى تدهور الأوضاع فإذا كان شأن الوضع الاقتصادي كذلك، فان مكونات القطاع الصحي في قطاع غزة ورغم طبيعة مهمتها الإنسانية المحضة لم تسلم أيضا من تداعيات الحصار الشامل، فقد حرم المواطن الفلسطيني من التمتع بحقوقهم الصحية، إذ منع الحصار وصول الأدوية والأجهزة والإمدادات الطبية والإغاثة اللازمة لتصبح مستشفيات قطاع غزة في حالة لا تسمح لها تقديم الخدمات الطبية، ونقص هذه الإمدادات جعل مخزون المستشفيات والعيادات والمستوصفات الطبية ومستودعات الأدوية شارفت على الانتهاء.
ويأخذ الوضع الصحي صورة اشد خطورة تتمثل بمنع وإعاقة السفر للآلاف من المرضى الذين يحتاجون إلى رعاية لا تتوفر لهم في مشافي قطاع غزة، مما يهدد حياتهم بالخطر في ظل حقيقة تدهور المرافق الصحية وعدم مقدرتها على تلبية حاجات المواطن في غزة.
فقد أشارت تقارير وزارة الصحة الى ان أكثر الأمراض التي تحتاج للعلاج في الخارج تلك المتعلقة بأمراض القلب، تليها التحويلات الخاصة بأمراض وجراحة العيون، ثم أمراض السرطان، ثم التحويلات المتعقلة بالتأهيل وأمراض المسالك البولية وباقي الأمراض الأخرى بنسب متفاوتة.
وأدى الحصار الخانق الذي يحكم قبضته على القطاع إلى نقص في الأدوية والمستلزمات الطبية لدى إدارة الصيدلية بوزارة الصحة حيث تعتبر الأدوية والمستلزمات الطبية ومواد المختبرات من أهم الركائز التي تساعد القطاع الصحي على أداء واجباته تجاه المواطن، وقد تسببت سياسية إغلاق القطاع بإلحاق ضرر كبير بهذه الركائز.
وحسب التقريرات الواردة عن وزارة الصحة بان هناك أكثر من 70 صنفا من الأدوية الأساسية التي تستعمل في علاج الأمراض المزمنة والخطيرة وعلى الأخص كأمراض السكر ، وعلاج غسيل الكلى، كذلك أدوية علاج السرطانات التي إزدادت بنسبة ملحوظة وخاصة بعد حرب 2008/2009 . كذلك هناك نقص في أدوية علاج القلب وإرتفاع ضغط الدم.
أما الأمراض النفسية فزدادت بمعدل ملحوظ فأمراض الأعصاب والكآبة أصبحت منثشرة بشكل ملحوظ وأما الأطفال يعانون من حالات الخوف والإضطراب العصبي إضافةً الى عدم التركيز في الدراسة كذالك زيادة نسبة عدم التحكم بالمثانة البولية ليلاً عند الأطفال بشكل ملحوظ.
وقد أثر الوضع السياسي والاقتصادي والمعيشي الصعب في قطاع غزة على جميع المؤسسات ومنها التعليمية وأصبحت العديد من العائلات الفلسطينية لا تستطيع توفير الرسوم الجامعية لأبنائها أو حتى الحقائب المدرسية والزي المدرسي وهذا من شأنه أن يدفع هؤلاء الأبناء إلى مصير قاتم من العجز واليأس وكسر الإرادة إذا ما حرموا من إكمال تعليمهم الجامعي وسوف يكون من الصعب حصولهم على فرص عمل في المستقبل مما يزيد من مشكلة البطالة ويحرمهم حقوقهم الأساسية المنصوص عليها ضمن القوانين الوطنية و الدولية.
إن زيارتي لقطاع غزة Oktober/2010 لتؤكد ان القطاع ليعيش في كارثة إنسانية كبرى ولذلك طالبت في الوقت الأخير أكثر من مؤسسة دولية لحقوق الإنسان بممارسة الضغط على إسرائيل من أجل فتح كافة المعابر أمام حركة البضائع والأفراد في قطاع غزة، ورفع الحصار المفروض على غزة والتراجع عن قرار اعتبار غزة إقليما معاديا.
كما حملت هذه المؤسسات اسرائيل كافة المسؤولية الناتجة عن استعمالها سياسة الإغلاق والحصار والتي تعبر عن عقوبات جماعية تتنافى والقانون الدولي ودعت المجتمع الدولي، ولاسيما الأطراف السامية المتعاقدة على اتفاقية جنيف الرابعة، الضغط على إسرائيل بوصفها دولة احتلال، من أجل التحقق من وفائها بالتزاماتها القانونية والإنسانية تجاه سكان القطاع.
أما في مجال الإعلام وتوعية المجتمع الألماني فقد قمنا بدعوة أكثر من محاضر ذو خبرة بالقضية الفلسطينية ونشر تقارير عن هذه المحاضرات في الصحف المحلية ومن أهم هؤلاء المحاضرين البروفيسور اليهودي رلف فليكر(Prof. Ralf Verleger) وكذلك الخبيرة ومراسلة التلفزيون الألماني القناة الأولي الدكتورة بتينا ماكس( Dr. Bettina Max) وكذلك البروفسور في شؤون الشرق أوسط أودو شتين بخ(Prof. Udo Steinbach) وأما في أكتوبر 2010 فقد قدمت المحامية اليهودية فليسيا لانجر( Felicia Langer) البالغة من العمر 80 عاماً والتي دافعت عن السجناء الفلسطينين أمام المحاكم الصهيونية إلى برونشفايغ وقامت بإلقاء محاضرة وأدلت بشهداتها بما وقع بالفلسطينيين من ظلم وكيف شردوا ونهبت أملاكهم.
{jcomments on}